الفرق بين التفسير والتأويل؟
1 - التفسير
والتأويل: مصطلحان مترادفان بمعنى واحد، فلا فرق بينهما، ومعناهما
بيان القرآن وشرح آياته وفهمها.
وهذا قول أبي عبيدة معمر بن المثني ومن معه.
وهذا قول مرجوح (الذي رَجَحَ عليه غَيْرُهُ، أي: غَلَبَهُ) لأن التفسير والتأويل مصطلحان قرآنيان، فلا بد من ملاحظة الفروق بينهما، فلا ترادف في كلمات القرآن، ولن نجد فيه كلمتين بمعنى واحد، قد يكون بينهما تقارب شديد في المعني، بحيث تخفي الفروق بينهما على كثير من الناس، لكنّ المتدبرين يقفون على فروق دقيقة خفية بينها.
2 - التفسير: بيان معاني
القرآن من باب الجزم والقطع، وذلك لوجود
دليل لدي المفسر، يعتمد عليه في الجزم والقطع.
والتأويل: بيان معاني القرآن من باب الاحتمال وغلبة الظن والترجيح، لعدم وجود
دليل لدي المؤول يعتمد عليه في الجزم والقطع.
وهذا قول أبي منصور الماتريدي.
3 - التفسير: بيان
معاني الألفاظ القرآنية الظاهرة، التي وضعت لها في اللغة. كتفسير الصراط
بالطريق، والصيّب بالمطر.
والتأويل: بيان باطن الألفاظ القرآنية، والإخبار عن حقيقة
المراد بها.
والمثال على هذا الفرق قوله تعالى: إِنَّ
رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ فهذه
الآية لها تفسير وتأويل.
تفسيرها: أن المرصاد من الرصد
والمراقبة. أي: إن الله مطلع على كل ما يعمل الظالمون، يراها
ويعلمها ويرصدها، ويسجلها عليهم ليحاسبهم عليها.
وتأويلها: تحذر الآية من التهاون بأمر الله، والغفلة عن الأهبة والاستعداد للعرض عليه يوم القيامة.
وهذا قول أبي طالب التغلبي.
4 - التفسير هو: فهم الآيات على ظاهرها، بدون صرف لها عنه.
والتأويل هو: صرف الآيات عن ظاهرها إلي معنى آخر، تحتمله الآيات، ولا يخالف الكتاب والسنة، وذلك عن طريق الاستنباط.
وهو قول البغوي والكواشي.
5 - التفسير: هو الاقتصار على الاتباع والسماع والرواية، والاكتفاء بما ورد من مأثور في معاني الآيات.
والتأويل: استنباط المعاني والدلالات من الآيات، عن طريق الدراية والتدبر وإعمال الفكر والنظر.
وهذا قول أبي نصر القشيري، وهو الذي رجّحه الدكتور الذهبي.
6 - التفسير هو: بيان المعاني القريبة التي تؤخذ من الآيات، من كلماتها وجملها وتراكيبها، عن طريق الوضع واللغة.
والتأويل هو: بيان المعاني البعيدة التي تلحظ من الآيات، وتوحي بها كلماتها وجملها وتراكيبها عن طريق الإشارة واللطيفة والإيحاء.
ومال إلي هذا القول الآلوسي في تفسيره «روح المعاني».
أما إيراد الذهبي لرأي الراغب الأصفهاني في التفسير والتأويل فسنأخذه من
مقدمة تفسيره «جامع التفاسير» بعد قليل إن شاء الله.
ومما عرضه الإمام السيوطي في «الاتقان في علوم القرآن» من الفروق بين التفسير
والتأويل- إضافة إلي ما ذكرناه سابقا:
7 - التفسير: أكثر استعماله في الألفاظ والمفردات.
والتأويل: أكثر
استعماله في المعاني والجمل.
8 - التفسير: بيان ألفاظ القرآن التي لا تحتمل إلا معنى واحدا.
والتأويل: توجيه
لألفاظ القرآن التي تحتمل عدة معان، إلي معنى واحد، اعتمادا
على الأدلة في ذلك.
وهذه الأقوال متقاربة كما سنبين بعد قليل إن شاء الله.
الفرق بينهما عند الراغب وأبي البقاء وفرحات:
يطيب لي أن أسجل آراء ثلاثة علماء: قديم ومتأخر ومعاصر، في بيان الفرق بين التفسير والتأويل، ثم أورد بعد ذلك رأيي في المسألة.
الأول: هو الإمام الراغب الأصفهاني، حيث يقول في مقدمة تفسيره «جامع التفاسير».
التفسير أعمّ من التأويل.
وأكثر ما يستعمل التفسير في الألفاظ. والتأويل في المعاني. كتأويل الرؤيا.
والتأويل: يستعمل أكثره في الكتب الإلهية. والتفسير يستعمل فيها وفي غيرها.
والتفسير: أكثره يستعمل في
مفردات الألفاظ. والتأويل: يستعمل أكثره في
الجمل.
فالتفسير:
أ- إما أن يستعمل في غريب الألفاظ نحو: «البحيرة» و «السائبة» و «الوصيلة».
ب- أو في وجيز يبيّن ويشرح، كقوله تعالى: وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ.
ج- وإما في كلام مضمّن بقصة، لا يمكن تصوّره إلا بمعرفتها نحو قوله: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ.
وقوله: ولَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها.
وأما التأويل:
أ: فإنه يستعمل مرة عاما، ومرة خاصا، مثل «الكفر» و «الإيمان».
فالكفر يستعمل تارة في الجحود المطلق، ويستعمل تارة في جحود الباري خاصة. والإيمان يستعمل تارة في التصديق المطلق، ويستعمل في تصديق دين الحق خاصة.
ب: ويستعمل في لفظ مشترك بين معان مختلفة. مثل لفظ «وجد» فإنه يستعمل في الجدة والجديد، ويستعمل في الوجود، ويستعمل في الوجود.
والتأويل نوعان: مستكره ومنقاد.
فالمستكره هو: ما يستبشع إذا
سبر بالحجة، ويستقبح بالتدليسات المزخرفة.
وهو على أضرب أربعة:
الأول: أن يكون لفظ عام، فيخصّص في بعض ما يدخل
تحته، نحو قوله تعالى: وإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ
وجِبْرِيلُ وصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ. ( التحريم : 4 )
حمل بعضهم «صالح المؤمنين» على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقط.
الثاني: أن يلفّق بين اثنين. نحو قول من زعم أنّ
الحيوانات كلها مكلفة، محتجا بقوله تعالى: وإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها
نَذِيرٌ. ( فاطر : 24 ) وقد قال
تعالى: وما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ ولا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا
أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ( الأنعام : 38 ) فاستدلّ بعضهم
بقوله: إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ على أن الحيوانات مكلفة كما أننا مكلفون.
الثالث: ما [ ص319]: استعين فيه بخبر مزور، أو كالمزوّر. كقوله تعالى: يَوْمَ
يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ ( القلم : 42 ) قال بعضهم:
عنى بالساق: الرجل الجارحة، مستدلا بحديث موضوع.
الرابع: ما يستعان به باستعارات واشتقاقات بعيدة.
كما قال بعض الناس: البقر: هو إنسان يبقر عن أسرار العلوم.
والهدهد: هو إنسان موصوف بجودة البحث والتنقير.
فالضرب الأول: أكثر ما يروج
على المتفقهة، الذين لم يقووا في معرفة الخاص والعام.
والضرب الثاني: أكثر ما يروج
على المتكلم، الذي لم يقو في معرفة شرائط النظم.
والضرب الثالث: أكثر ما يروج
على صاحب الحديث، الذي لم يتهذب في شرائط قبول الأخبار.
والضرب الربع: أكثر ما يروج
على الأديب، الذي لم يتهذب بشرائط الاستعارات والاشتقاقات.
والمنقاد من التأويل: هو ما لا يعرض
فيه البشاعة المتقدمة.
وقد يقع الخلاف فيه بين الراسخين في العلم، لإحدي جهات ثلاثة:
الأولي:
الاشتراك في اللفظ، نحو قوله تعالى: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ( الأنعام : 103
)
فهل الْأَبْصارُ من بصر العين، أو
بصر القلب؟
الثانية:
أمر راجع إلي النظم. نحو قوله تعالى: إلا الذين تابوا ( النور : 5 ) هل هذا الاستثناء مقصور
على المعطوف وحده أو عائد إلى الجميع ؟
الثالثة:
لغموض المعني، ووجازة اللفظ، نحو قوله تعالى: وإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ
فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.( البقرة : 227)
والوجوه التي يعتبر بها تحقيق أمثالها، وتقود إلي ترجيح المناسب من الأقوال
المختلفة في التأويل، أن ينظر في المختلف فيه:
1 - فإن كان
المختلف فيه أمرا، أو نهيا عقليا، فزع في كشفه إلي الأدلة العقلية، وقد حثّ الله
على ذلك في قوله: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ، لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ،
ولِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ.
2 - وإن كان
المختلف فيه أمرا شرعيا، فزع في كشفه إلي آية محكمة، أو سنة مبيّنة.
3 - وإن كان من
الأخبار الاعتقادية، فزع فيه إلي الحجج العقلية.
4 - وإن كان من الأخبار الاعتبارية، فزع فيه إلي الأخبار الصحيحة، المشروحة في القصص.