حديث " إِنَّ الْحَلَالَ بَيْنُ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيْنُ ..."
عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِير رضي الله عنه قَالَ :
سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:- وَأَهْوَى
النُّعْمَانْ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ- " إِنَّ الْحَلَالَ بَيْنُ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيْنُ وَبَيْنَهُمَا
مُشْتَبِهَاتُ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيُر مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى
الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ
وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكْ أَنْ
يَرْتَعُ فِيهِ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَى، أَلَا وَإِنَ حِمَى اللهِ
مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةٌ، إِذَا صَلَحَتْ، صَلُحَ
الْجَسَدُ كُلُّهْ، وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ
الْقَلْبُ".
متفق عليه.
رواى الحديث
النعمان
بن بشير ابو عبد الله الخزرجى الأنصارى هو من أجلاء الصحابة رضي الله عنهم
،وهو من أهل المدينة وهو أول مولود ولد فى الأنصار بعد
الهجرة ، روى عن النبى صلى الله عليه وسلم ، وعن خاله عبد الله بن رواحة وعمر وعائشة رضي الله عنهم ، ولى القضاء بدمشق وتوفى سنة 65 ه .
شرح المفردات
_"
وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه": أي
أمدهما إليهما ليأخذهما إشارة إلي تيقنه من السماع.
_ " فمن
اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه" : بيّن
النبي صلى الله عليه وسلم أن متقي الشبهات قد برأ دينه من النقص؛ لأن من اجتنب الأمور المشتبهات
سيجتنب الحرام من باب أولى، وفي رواية للبخاري "فمن
ترك ما شُبِّه عليه من الإثم كان لما استبان أترك" وصان عرضه عن كلام
الناس فيه".
_" كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه" :
الحمى هي الأرض التي يُمنع الناس من الرعي والصيد فيها أو يُمنع الناس من
الاقتراب منها، كالراعي الذي يرعى دوابه
حول الأرض المحمية، خضراء كثيرة العشب يوشك أن ترعى فيها دوابه؛ وكذا المسلم يجب
أن يبتعد عن الشبهات التي هي حمى المحرمات التي أُمرنا باجتنابها فإن اقترب منها
أوشك أن يقع فيها.
_" ألا إن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله
محارمه" : فالله -سبحانه وتعالي- هو الملك حقًا وقد حمى الشريعة بسياج
محكم مبين فحرم على الناس كل ما يضرهم في دينهم ودنياهم.
_" ألا وإن في الجسد مضغة" : وهي القطعة
من اللحم .
سمي القلب بذلك لسرعة تقلبه؛ لذلك كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:"يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك". أخرجه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
الشرح الإجمالي للحديث
فهذا الحديث
الجليل هو أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام فهو حديث عظيم وأصل من أصول الشريعة
من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم حث
فيه النبي صلى الله عليه وسلم على الورع وترك المتشابهات في الدين واشتمل هذا الحديث على قضيتان اساسيين
وهما صحيح
العمل وسلامة القلب
وهاتان القضيتان من اهميتهم هو
اصلاح الظاهر والباطن فيكون اكبر تاثير على
استقامة حياة الناس وفق منهج الله واتفق العلماء على كثرة فوائده.
هذا الحديث أصل لقاعدة شرعية مهمة وهي سد الذرائع
الى المحرمات واغلاق كل باب يوصل اليها فمثلا حرمة قبول الموظف لهدايا العملاء سدا
لذريعة الرشوة.
فوائد الحديث
1-
أن الأشياء من
حيث الحل والحرمة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
أ-
حلال بيَّن.
ب-
حرام بيَّن.
ج-
أمور مشتبهة. قضية المشتبهات التي تخفي على بعض الناس، قال الحديث لا يعلمهن كثير من
الناس يعني هناك أناس يعرفونها، وهم أهل العلم.
2-
وجود هذه
المشتبهات لا ينافي ما تقرر في النصوص من وضوح الدين، كقول الله U: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا
لِكُلِّ شَيْءٍ ﴾النحل
89
و قوله: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا ۗ وَاللَّهُ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾النساء 176
كما قال صلى الله عليه وسلم: "تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا
يزيغ عنها إلا هالك". رواه أحمد وابن ماجة وصححه
الألباني،
وذلك لأن
الاشتباه ليس من ناحية النص ولكن من ناحية من ينظر في النص.
3-
أن تلك المشتبهات
واضحة عند بعض العلماء،وخافية على غيرهم؛ لذا أمر الله تعالى بسؤال أهل الذكر
والعلم، فقال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ
الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ النحل: 43 ، لأنَّ خفاء الحكم لا يمكن أن يعمَّ جميع
الناس.
4-
أن المسلم في حال اشتباه الأمور يسلك جنب الورع،
ويرُدُّ الأمر لمن يثق في دينه ومانته.
5-
الحثُّ على اتقاء الشُّبهات، وهذا مشروط بما إذا
وجد ما يدلُّ على أنها شُبهة، وإلا كانت ذلك وسواسًا.
6-
أن تبرئة
العِرض أمر مطلوب شرعًا، فينبغي على العبد أن يبتعد عن كل ما يدنس عِرضة، ويعرِّض
سمعته أو أهله أو ذريته لمقالة السوء، وفي السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجلين من الأنصار لما رأياه واقفا مع زوجه
صفية رضي الله عنها ليلاً فأسرعا،
فقال لهما: "على رِسْلِكما، إنها صفة" أخرجه البخاري ومسلم
7- أن المدار في
الصلاح والفساد على القلب، إذا صلح صلح الجسد كله، وإذا فسد فسد الجسد كله، ولا سبيل
للفوز بالجنة، ونعيم الدنيا و الآخرة، إلا بتعهد القلب والاعتناء بصلاحه، قال
تعالى : ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88)
إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) ﴾ الشعراء 88-89
وعليه فيجب العناية بالقلب أكثر من العناية بعمل
الجواح؛ولا صلاح للقلوب حتى تستقر فيها معرفة الله وعظمته ومحبتة وخشيته ورجاؤه،
وهذا هو حقيقة التوحيد، أن يكون القلب يأله ويتوجَّه ويقصد الله و حده لا شريك له، وينصرف عمَّا سواه.